جحا .. هى شخصية من خيال كاتبها ليعبر من خلالها عن مجموعة أفكار طرحت بين فصول القصة التى حاول من خلالها التعبير عن الواقع المجتمعى والتناقضات العديدة التى يتحلا بها الانسان وخاصة الحكام والساسة كما صور حال الشعوب والمجتمعات حينما تصاب الحكام والحكومات بالصمم محذرآ ومنوهآ عن مدى خطورة ذلك من خلال الامثال والحكم أما فى شكل السخرية أو الفكاهة أو الاستهانة والمهانة من محدودى الفكر والمسبد والمتجبر والاصم والابله .
اعتقادآ منه بأن الحكام هم اذن الشعب ولسانها ووجدانها وعقله المفكر . فأذا ما صاح الشعب وصرخ فلابد أن يستجيب الحاكم أو ينتبه ويتحقق فأذا ما فعل فجنحت به عجلة القيادة عن مسارها الصحيح واصبح فى نظر الشعب ماهو الا ابله مستبد سرعان ما تغرق به السفينة بمن فيها .
فسيف الدولة الملقب بالملك العادل ابن سوداء بنت الفقيهه ملك مصر والشام وابن الملك الكامل بعدما استولى على الحكم من أخيه “نجم الدين ايوب ” ظن أنه قد استتب له الآمر واصبحت مقاليد البلاد فى يده . فقد ترك الآمر لحاشيته يعبثون بالشعب كما شاءوا ينكلون بكل من يرفع صوته أو مطالبآ بحقوقه أو رافضآ لسياسته .
فبات الشعب مستكين تحت وطئة الظلم والقهر والاستبداد فقد نجحت الحاشية المحيطة به فى قتل كل صوت يحاول الوصول اليه وقد سعد بذلك ليتفرغ لللهو والفجور والترحال من مكان الى آخر ونسى أنه الحاكم المسئول أمام الله والشعب عن صرخات المظلومين والضعفاء والفقراء والمساكين . فأنساه الشيطان ذكر ربه حتى سقط وثار ضده الشعب الذى يمكن له أن يستكين لبعض الوقت ولكن لن ولم يموت طول الوقت .
وعن أبِى ذرٍّ قال: “قلت يا رسول اللَّه! أَلا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: يا أبا ذرٍّ إنك ضعيف، وإنها أمانةٌ، وإنّها يومَ القيامة خزي وندامةٌ، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها” “1”.
في هذا الحديث الشريف يبين الرسول صلى الله عليه وسلم واجب الإمام أو الحاكم نحو رعيته، كما يبين صلى الله عليه وسلم مدى المسئولية الملقاة على عاتق كل فرد نحو الذين ولاه الله أمرهم.
ويشمل الحديث هنا الإمام أو الحاكم: سواء كان رئيسًا للدولة، أو وزيرًا، أو محافظًا أو رئيسًا لجامعة، أو أي إنسان أسند إليه إدارة أي عمل من الأعمال، عظم هذا العمل أو صغر، حتى يدخل في ذلك الرجلُ في بيته والمرأة في بيتها، فالكل مسئول كل على قدره، وبقدر الإمكانات المتاحة له.
أما فى زماننا هذا يطل علينا الكاتب بشخصية ” جحا هذا الزمان ” فمع التطور الزمنى للأحداث وتطور لغة الساسة واوراق اللعبة سقطت الكثير من الواجبات والحقوق تجاه الحاكم والمحكوم سواء كانت هذه الشخصية من ادناها الى اعلاها كما سقطت ايضآ واجبات المحكوم تجاه الحاكم فأصبح كلآ منهم ينادى فى واديه دون أن يسمعه الآخر وكأننا نعيش فى زمان لايعترف بالدولة الواحدة والشعب الواحد بل نعيش فى دولة الحاكم وحكومته ودولة الشعب وضالته .
يصرخ الشعب من ظلم الحكومة أو الوزير أو ادنى قيادة وتجاهله وفساده وافساده دون أن سمع لصراخه أحد أو حتى يحنوا عليه فتتسع الفجوات الواحدة تلو الآخرى ويصاب الشعب بالملل واليأس بعدما نجحت الحكومات فى قتل الآمل الذى امتلأت به قصص “جحا” لتطل علينا بشخصية جديدة لهذا الزمان فعلى كاتب القصة أن يعيد كتابتها من جديد بما يتلائم ويتفق مع الواقع الزمنى والظروف المجتمعية كى تنال المصداقية واحترام الكاتب .